Thursday 2 February 2012


الثورة ... وزارة النقل لم تفهم بعد !!

                                                                      ربان / محمد بهى الدين مندور                       

"عندما يجاوز الظالمون المدى , تنفجر ثورات الشعوب الحية مستهدفة التغيير الفورى والجذرى لإسقاط الطغاه ولاسقاط النظم الحاكمة المستبده الفاسده . فإذا ما سقطوا يتابع المد الثورى مسيرته مستهدفا التغيير الاقتصادى والاجتماعى وذلك من خلال إعادة بناء مؤسسات المجتمع سياسيا واقتصادياَ واجتماعياَ ... وأخلاقياَ .
ويرتكز نجاح هذا التغيير الشامل على التحرك السريع والمتواصل لتأمين الثورات أمنياَ واقتصادياَ فى مواجهة الثورات المضاده والتدخلات الخارجية. وايضا يتوقف نجاح التغيير الشامل على سرعة تحرك حكومات الثورات فى مسارات متوازية لاختيار قيادات ثورية شابه وفق معايير موضوعية لكى تتولى مسئولية إعادة بناء تلك المؤسسات ولاسيما الحكومية منها . وما لم تبادرتلك القيادات الثوريه الجديدة بتطهير تلك المؤسسات من بطانات الرئاسات المخلوعة , فإن نفس تلك البطانات تستمر قابضة على مقاليد الامور مع استمرار المناخ الفاسد الذى كان سائدا فى تلك المؤسسات قبل اندلاع الثورات . وهكذا تنتكس البلاد لتتقهقر الى الربع الاول بل إن لم يكن إلى ما هو اسوأ منه.. وكأ نك يا ابو زيد ما غزيت."

ومثال ذلك فى مصر هو ما يحدث فى دواوين بعض الوزارات التى لم تفهم بعد ثورة يناير ..وربما لن ولا تريد ان تفهمها . وإلى القارىء المثال التالى عن بيروقراطية وزارةالنقل.  

1.    المفروض بعد الثورة ان يهتم كل وزير بوضع البرامج التى تتواءم  مع الأهداف والسياسات العامة والمعايير التى من المفروض ان تضعها حكومة الثورة . والمفروض ان يبدأ كل وزير بإعادة تنظيم القطاعات التابعة له والتأكد من أمانة وكفاءة شاغلوا الوظائف الحاكمة فى ديوان وزارته . و إذا ما استمرما شاب بعض المشروعات القومية الكبرى من فساد  قبل الثورة , فإن أقل ما يوصف به الحال انها رخاوه وتمييع لا يتفقان مع مبادىء الثورة بل سيشدها إلى الوراء.

2.    ومن أهم المشروعات القومية الكبرى قبل الثورة " مشروع شرق التفريعة" فى  بورسعيد الذى فتح ملفه منذ أكثر من ستة عشرة عاما . ويرتكز هذا المشروع على جناحين :  الأول تشييد ميناء محورى عالمى على مساحة نحو 22 مليون متر مربع يخصص بأكمله لتداول حاويات بضائع الترانزيت . و الثانى منطقة حرة  صناعية اقتصادية خصص لها نحو 87 مليون متر مربع فى ظهير الميناء المحورى الممتد فى غرب سيناء . 

3.    اهملت حكومات الجنزورى وعبيد ونظيف جناح المنطقة الصناعية ربما لأنه
 اكبر من قدرات ورؤى تلك الحكومات واهتمت بجناح تشييد الميناء المحورى. وقد تحملت مصر بمفردها تكاليف تشييد الميناء وتم تأسيس " شركة قناة السويس للحاويات" لإدارة محطة الحاويات تشغيلا وتسويقاَ. وفى الوقت الحاضر أصبح رأس مال الشركة المدفوع خمسة وخمسين مليون دولار موزعاَ َكما يلى : خمسة وخمسين فى  المائة لمجموعة "  أ. ب . موللر " الدنمركية وعشرين فى المائة " لشركة "كوسكو باسيفيك  " الصينية وعشرة فى المائة لهيئة قناة السويس وخمسة فى المائه للبنك الأهلى وعشرة فى المائه للقطاع الخاص المصري أصبح معظمها فى حوزة محمد منصور واحمد المغربى الوزيرين السابقين وأغلبها مشتراه من حصة ابراهيم كامل الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة . أما كارثة مد امتياز الشركة من 30 إلى 49 سنه فالمسئول عنها الثلاثى ابراهيم كامل ومنصور وزير النقل  ونظيف رئيس الوزراء الأسبقين. إن مدة هذا  الامتياز  أمر غير مسبوق فى عقود إدارة الموانى المحورية على مستوى العالم . وقد حققت " شركة قناة السويس للحاويات" المصرية الجنسية – التى يملكها الأجانب بنسبة 75 فى المائة - حققت  صافى أرباح خمسة وخمسين مليون دولار بميزانية 2010 فاستعاد المساهمون ما دفعوه من راس المال فى سنة واحدة !!.

4.    فى مايو 2010 كتبت مقالاَ بعنوان " ميناء شرق بور سعيد .. أين المصريون؟!"
تضمن وقائع مد الامتياز الى 49 سنه . وفى 13/5/2010 أرفقته بخطاب أرسلته الى رئيس الوزراء – نظيف – منبها الى خطورة مد الامتياز حتى عام 2053 . كما أرسلت  نفس المقال إلى كل من رئيس الجمهورية ووزير النقل .. وكالعادة لم يتحرك أحد . أرسلت المقال إلى الجرائد اليومية فلم تنشره ولو حتى كخبر عن كارثة مد الامتياز إلى 49 سنة و هو الأمر الذى يهم كل المصريين. وبتاريخ 6/6/2010 انفردت صحيفة " العالم اليوم" بنشر معظم المقال بعددها  5915 . وأيضا لم يتحرك أحد . 

5.     فجأة اندلعت ثورة 25 يناير ثم نشرت الصحف خبراَ بإحالة عقد ميناء السخنة   
إلى النائب العام – نفى وزير النقل الخبر فيما بعد- فأرسلت فى 9/3/2011 برقية إلى كل من رئيس الوزراء ووزير النقل بأنه كان من الأولى إحالة عقد "شركة قناة السويس للحاويات " إلى النائب العام لاحتكار الشركة إدارة محطة حاويات شرق بور سعيد لمدة 49 سنه  وطلبت أخذ أقوال ابراهيم كامل. . ولم يتحرك أحد.

6.    بعد مرور 42 يوم على إرسال البرقية بعاليه , تلقيت رداَ برقم 445 من إدارة خدمة المواطنين بالهيئة العامة لموانئ بور سعيد "تحيطنى علماَ بأن :
موضوع البرقية بشأن احتكار الشركة لادارة محطة الحاويات لمدة 49 سنة  هو قيد
الدراسة بمكتب المهندس وزير النقل.  

7.    بتاريخ 17 إبريل ارسلت إلى كل من رئيس الوزراء ووزير النقل مظروفاَ بالبريد يحوى صورة البرقية بعاليه مرفقا بها مقال " ميناء شرق بور سعيد..أين  المصريون " والذى تضمن وقائع تأسيس " شركة قناة السويس للحاويات " على مر حكومات ( الجنزورى – عبيد – نظيف ) ودور محمد منصور وزير النقل الاسبق فى  مد عقد الامتياز لمدة 49 عاماَ تنتهى فى عام 2053.  
بتاريخ 30 ابريل أعادت مصلحة البريد المظروف المرسل إلى وزير النقل و ذلك بعد
فتحه وإغلاقه بمعرفة ديوان وزارة النقل ومكتوباَ عليه ..." برجاء توضيح أكثر
لمضمون الطلب أو الموضوع ". وبتاريخ 2/5 أرسلت برقية إلى رئيس الوزراء ووزير
النقل تتضمن وقائع البنود بعاليه ... ولقد اسمعت إذ ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادى.


8.    تجدر الإشارة هنا إلى أن " جريدة الوفد " نشرت فى 7/4 مقالا بعنوان   
"المليارات العائمة لجمال مبارك وشلته – جهات مهمة حددت الخيط لشركات النقل  البحرى "وقد تضمن المقال أسماء أسامه الشريف – فلسيطنى – وعمر طنطاوى ومحمد الحلوجى مصريان ونبذه عن  أدوارهم فى ميناء السخنة . أما  جريدة الأهرام  فقد نشرت فى 9/4 مقالا بعنوان " قتل شركة وطنيه – فساد إدارى وسرقه علنية بميناء شرق التعريفة" . وبتاريخ 25/4/2011 كتب مصطفى بكرى فى" جريدة الأسبوع  مقالا بعنوان : "فى عقد امتياز شرق التفريعة .. حكومة نظيف أهدرت عشرة مليارات جنيه لصالح ابراهيم كامل " . وكانت " الأحرار " والعالم اليوم " هما الجريدتين الوحيدتين اللتين انفردتا بفتح صفحاتها منذ أكثر من عشرة سنوات للتحذيرمن رهن محطات حاويات فى موانئ الإسكندرية ودمياط  وبورسعيد للمستثمرين الاجانب لعشرات السنين بدعوى جذب الاستثمارات الأجنبيه وذلك إلى حد رهن محطة حاويات شرق بورسعيد لمدة 49 عاماَ !!. والنتيجة المعتادة .. لقد أسمعت إذ ناديت حياَ ولكن لاحياة لمن تنادى لا قبل ثورة 25 يناير ولا بعد ثورة 25 يناير. بل حتى هذه السطور قد لا ترى النور فى صحافتنا المقروءة .

9.    وبتاريخ 2/5/2011 بجريدة " الأحرار" تناول د. صلاح قبضايا فى أسبوعياته موضوع   كارثة امتياز ال49 سنة تحت عنوان: "من شرق بور سعيد .. إلى النائب العام .كما   
 
نشرت جريدة  الأسبوع   بعدد 9 مايو 2011 مقالا بعنوان .." ميناء شرق بور سعيد
  المحورى ... تكرار تجربة ديلسبس".  
 
فى النهاية إننى أدرك تماماَ أن الحكومة قد لا تتمكن من إرجاع عقارب الساعة
الى الوراء خوفا من لجوء الأجانب إلى فزاعة التحكيم الدولى . ولذلك فإننى أدعو الحكومة
الى التفاوض مع الشركة الأجنبية لتصحيح مدة الامتياز مع التمسك بمجموعة" أ. ب  
موللر" التى تمتلك أكبر اسطول ناقلات حاويات فى العالم وذلك لإدارة " شركة قناة السويس
للحاويات". ولن يستطيع قطاع النقل البحرى ولا القطاع الخاص المصرى أن يدير
ميناء شرق بورسعيد بنفس كفاءة الدنماركيون. وإذا ما فشلت المفاوضات يمكن أن
تستعين الحكومة المصرية   بمكاتب استشارية عالمية تمتلك من خبرات التعامل مع
مراكز التحكيم الدولية ما لايملكه  المصريون بعد من الخبرات الفنية والإدارية
والقانونية  البحرية وذلك حتى يتم إعداد جيل مصرى من الخبراء المصريين ليحلوا محل ضباط معاشات القوات البحرية اللذين يحتكرون المراكز الحاكمة فى قطاع النقل البحرى منذ أن تولى السادات رئاسة مصر ووصولا إلى الأعوام الثلاثين من حكم مبارك وحتى كتابة هذه
السطور.. ولك  الله يا مصر.
                                                                        ربان / محمد بهى الدين مندور                                             
القاهرة 21/5/2011

جريدة "العالم اليوم " : العدد 6199 - أول يونيو 2011


 

No comments:

Post a Comment