Thursday 2 February 2012




    

              قطر في شرق بورسعيد ..  يا هلا بالمشاركة ولا للاحتكار  

                                                  ربان/ محمد بهى الدبن مندور


"لكى نخطط للمستقبل لابد من النظر إلى الماضى حتى نستفيد من الإيجابيات وحتى لا نكرر فنجتر نفس السلبيات. ثم لابد من النظر إلى الحاضر لنعلم أين نقف وماذا نملك وماذا نريد لكى نحدد أهداف وخطط المستقبل. ولما كان موضوع هذا المقال يدور أساسا حول بورسعيد فمن المفيد أن نتناول فى عجاله النظم الاقتصادية التى مرت بمصر عبر نصف قرن ومدى تأثر بورسعيد بها وصولا إلى الحاضر وعبورا إلى المستقبل القريب".
                                    عصر عبد الناصر
ارتكز النظام الاقتصادى بعد حرب السويس عام 1956 على مشروع السد العالى كأول مشروع قومى ليقود قاطرة التنمية فى مصر. ثم أعقب ذلك تمصير قطاع البنوك وإنشاء شركات عامة فى الأنشطة البحرية والصناعية والتجارية. وفى يونيو 1961 بدا تأميم شركات: "بواخر البوستة الخديوية والإسكندرية للملاحة البحرية ومصر للملاحة البحرية والشركة العامة للملاحة البحرية. وكانت هذه الشركات الأربعة تمتلك فيما بينها الأسطول البحرى التجارى المصرى. وفى يوليو 1961 تم تأميم باقى القطاعات الاقتصادية الأخرى فنشأ القطاع العام ليقود مجالات التنمية وفق الاستراتيجيات التى احتواها "ميثاق العمل الوطنى". وهكذا كان ميلاد النظام الاشتراكى فى مصر الذى عاصر حرب الاستنزاف والتحم مع قواتنا المسلحة عبورا لقناة السويس واقتحاما لخط بارليف متوجا بدلك نصر حرب أكتوبر 1973.                                                                                                           
                                  عصر السادات
ومنذ حكم السادات واتصالا بثلاثين عاما من حكم مبارك حتى بداية العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين التحف النظام الاقتصادى بشعار التحول إلى "اقتصاد السوق الحر" وكان ذلك بعد الانحناءة الشهيرة للسادات أمام التمثال النصفى لعبد الناصر فى قاعة اجتماعات مجلس الشعب وسط وقوف وتصفيق وتهليل وصيحات هستيريا نواب الشعب. وكانت البداية التنفيذية لرفع شعار اقتصاد السوق الحر هو إصدار السادات للقانون رقم 24 لسنة 1976 لتحويل مدينة بورسعيد الباسلة إلى منطقة حرة تجارية بكامل شكلها الجغرافى. وفى ظل هذا القانون ومع غياب استراتيجيات وخطط تنفيذية اقتصادية واجتماعية متكاملة لاستغلال الموقع الفريد لبورسعيد لتكون قاطرة النمو الصناعى والاقتصادى لكل مصر، تحولت بورسعيد  بموقعها العبقرى  على مدى نحو خمسة وثلاثون عاما بالنسبة لباقى بلدان مصر- إلى جنة لشراء قطع الغيار والسلع الاستهلاكية وتجارة بالات الملابس المستعملة والشامبو والصابون أبو ريحه والشكولاته والبون بونى ..الخ. وارتفعت المبانى السكنية القبيحة فى حى البود رة الافرنج سابقا وازدحمت الشوارع والحارات بالسيارات والتلوث البيئى. وازدهرت عمليات التهريب واختفت صناعة بناء السفن البحرية الصغيرة والتى بدأها المهندس محمود يونس فى بور فؤاد فى ستينات القرن الماضى.وفى ظل حكم مبارك توالى صدور قرارات اقتصادية لترشيد حجم استيراد الصينى والعطور وتفعيل الأنشطة الصناعية والخدمية بالمنطقة الاستثمارية داخل المنطقة الحرة التى تأسس بها نحو ثمانين مشروعا مجموع رؤوس أموالها فى الوقت لحاضر لا يتجاوز مائة وخمسين مليون دولار. وقد توقف منها تماما نحو خمسين مشروعا واستمر نحو ثلاثين مشروعا لتعمل بأقل من طاقتها الإنتاجية. وهذا يعنى فشل المدينة الحرة لاسيما بعد صدور قانون ضريبة المبيعات عام 1991 ثم انضمام مصر إلى اتفاقية الجات لتحرير التجارة العالمية عام 1999 فزادت حالات الإفلاس وارتفعت معدلات الفقر وانتكست المدينة الحرة .. الباسلة. كل هذا العبث كان سببه غياب استراتيجيات وآليات تنفيذ شعار "الانتقال إلى اقتصاد السوق الحر" الأمر الذى نال من مصر كلها فى ظل اقتصاد السوء لا السوق  والفساد والاحتكار ودكتاتورية الحاكم وبطانته  وآلته الباطشة .. أمن الدولة.
                                 عصر مبارك
وبالرغم من هذه الصورة القاتمة فى بورسعيد على مدى نحو 35 عاما، فقد نجحت فى مصر مجتمعات صناعية بالقطاع الخاص وذلك بقيام مدن العاشر و6 أكتوبر وبرج العرب والسادات والعبور وبدر. وازدهرت الصناعات الكيماوية والهندسية والصناعات الغذائية والدوائية وصناعة الملابس ..الخ. وقد بلغ مجموع استثماراتها عام 2010 نحو 94 مليار جنيه وإجمالى إنتاجها نحو 522 مليار جنيه وإجمالى صادراتها نحو    مليار جنيه  دعمتها الدولة بنحو ثلاثة مليارات جنيه. وبلغ مجموع العاملين بها نحو 11 مليون عامل تمثل نحو 55 فى المائة من مجموع القوى العاملة فى مصر. وتشمل هذه الأرقام تقديرات صناعات بير السلم وبلاوى الصناعات المقلدة والغش التجارى فى مجتمع يمصمص ويصلى على النبى حينما نقول له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا" ..!!.
والى جانب هذه الصورة المشرقة أفرز فساد الحكام والحكومات صناعة المستشارين   منهم من يعمل فى مكاتب استشارية هندسية وقانونيه وإدارية ومحاسبية ومنهم  مستشارون حول الوزراء  يلتهمون مكافآت شهرية بعشرات الآلاف من الجنيهات تنوء بها ميزانيات الدولة. وتطبيقا لنظام الانفتاح الاقتصادى تحرر استيراد المواد الغذائية فقسمت كميات القمح والذرة والزيوت واللحوم وفحم الكوك إلى شرائح توزع بالأمر المباشر على كارتيلات القطاع الخاص من حبايب وأبناء وأصهار بطانات الحكام. أيضا أفرز اقتصاد السوق طبقة تحتمى بشروط الصندوق والبنك الدوليين ومنح وقروض الدول الأجنبية التى تشترط تفعيل دور القطاع الخاص فى المناقصات العالمية فظهرت القطط السمان وكلاء وممثلو الشركات الأجنبية التى تتنافس للفوز بمناقصات المشروعات الحكومية كمشروع توشكا ومشروعات إنشاء الموانى الذى يتهافت على تمويله البنك الدولى والمساعدات الأمريكية والأوروبية ولا سيما محطات الحاويات التى يحتكرها الأجانب بما فى ذلك الاخوة العرب لمدد تصل إلى نحو نصف قرن من عمر هذا البلد التعيس. ولا تشترط هذه الشركات العالمية أن يكون لوكيلها خبرة سابقة فى مجالات المناقصات الحكومية التى تشترك فيها، وانما تشترط أن يكون الوكيل أو الممثل لازقا فى بطانة متخذ القرارات الأوحد فى هذا البلد. وقد ظهر ذلك جليا فى مشروع إنشاء ميناء شرق بورسعيد  .
                                مشروع شرق بورسعيد
فى أواخر تسعينات القرن الماضى رفعت حكومة "الجنزورى" يافطة: "المشروعات القومية العملاقة لتغيير وجه الحياة فى الوادى : توشكا فى أقصى الجنوب وشرق التفريعة (بورسعيد) فى أقصى الشمال". وقد اقترضت مصر المليارات لتنفيذ توشكا. ودارت الأموال المقترضة لتعود إلى المقاولين والموردين الأجانب لتوريد الطلمبات العملاقة والمعدات. وانتهى تنفيذ المشروع واشترى الاخوة العرب الأراضى ولم تتدفق إلى ميزان المدفوعات المليارات حصيلة صادرات الحاصلات الزراعية. ولم يتغير وجه الحياة فى الوادى.
أما مشروع شرق بورسعيد فقد بدأ الترويج له فى نفس الوقت مع "مشروع توشكا" وسافر "الجنزورى" إلى سنغافورة والصين وانبهر بالموانى المحورية فى هونج كونج وشنغهاى فى الصين وسنغافورة. كما انبهر بالمناطق الصناعية "شنزن" فى  الصين و"يورٌنج" فى سنغافورة. وهكذا ظهرت ملامح المشروع القومى فى شرق بورسعيد. وفى نهاية عام 1997 فى برنامج "صباح الخير يا مصر"، أعطى الرئيس السابق "مبارك" إشارة البدء لمشروع شرق بورسعيد فقال: "إن المشروع ليس فقط ميناء محورى ولكنه أيضا منطقة صناعية حرة تشيد على مساحة نحو 87 كيلو مربع خلف الميناء المحورى لتجذب بحكم موقعها الفريد الاستثمارات الأجنبية لإقامة الصناعات ومراكز الخدمات العالمية وذلك على غرار جبل على بالإمارات وسنغافورة وهونج كونج". وبداهة تحركت شركات المقاولات البحرية العالمية من خلال السماسرة والوكلاء المصريين للفوز بعقود تشييد الميناء كما تحركت شركات إدارة  الموانى المحورية لتتنافس من خلال السماسرةوالوكلاء المصريين للفوز بعقودتشييد الميناء   المحورى بالشروط التى تحقق للشركات الأجنبية أكبر قدر من مصالحها ولو على حساب مصلحة مصر فالقانون لا يحمى المغفلين. وهكذا وقع المفاوض المصرى فاقد الخبرة وغير المتخصص بين فكى المفاوض الأجنبى والوكلاء والسماسرة المصريين الأقوياء أصحاب النفوذ الذين مارسوا قواهم الضاغطة على موظفى الجانب الحكومى الضعيف وانتهى الأمر إلى توقيع العقود الدسمة فى عهد حكومة الجنزورى لتشييد البنية الأساسية للميناء المحورى على نفقة الحكومة المصرية. وفى عهد حكومة عبيد بدأ التفاوض لإدارة محطة الحاويات بالميناء المحورى. وقد التهمت شركة (م.ب.موللر) الدنمركية باسم "شركة قناة السويس للحاويات" عقد المشاركة والإدارة لمدة 35 عاما . وتضمن ملحق للعقد لم يُنشر إعطاء الشركة حق أولوية تنفيذ وإدارة باقى  مشروعات الميناء المحورى فى مواجهة أى منافسة مصرية كانت أو أجنبيه طوال مدة العقد. أما "حكومة نظيف" فقد تفاوضت مع الشركة على إلغاء الشرط السابق مقابل مد احتكار عقد الإدارة أربعة عشرة عاما إضافية.(تنتهى عام 2053 يموت خلالها نحو أربعين فى المائة من سكان هذا البلد). وقد كان ذلك من خلال الرحلات المكوكية لوزير النقل الأسبق "محمد منصور" بين القاهرة وروترودام والذى وصف ميناء شرق بورسعيد بأنه: "جوهرة النقل البحرى".!! وبالفعل أصبح "منصور والمغربى" مالكان لنحو عشرة فى المائة من رأس مال "شركة قناة السويس للحاويات" اشترى معظمها من إبراهيم كامل رئيس مجلس الإدارة الأسبق للشركة ومهندس صفقة عقد إدارة محطة الحاويات. وانتهت اللعبة بتملك شركتى "م.ب. موللر " الدنمركية و"كوسكو باسيفيك" الصينية لنسبة خمسة وسبعين فى المائة من رأس مال الشركة المدفوع وقدره خمسة وخمسون مليون دولار تم استرداده من أرباح سنة واحدة .. يا بلاش!!  راجع مقال "الثورة .. وزارة النقل لم تفهم بعد!!" - جريدة العالم اليوم 1/6/2011 .
                    صفر المنطقة الصناعية الحرة
وكان من المفروض تنفيذ مشروع المنطقة الصناعية توأم الميناء المحورى، ولكن شيئا لم يحدث. دراسات الجدوى الأولية أعدتها جهات محلية غير متخصصة ولعن الله امرئ قال أعرف وهو لا يعرف فتخبطت الحكومة وتخبط القطاع الخاص ونشط تجار الأراضى فى غياب تخطيط سليم، ونشطت الصحافة: "4250 مليون جنيه تكلفة تنفيذ مشروع شرق بورسعيد العملاق .. تزويد 25 مليون متر بالمرافق وإقامة مطار دولى وتوفير 490 ألف فرصة عمل وإنشاء مصانع ومخازن ترانزيت تطرح للإيجار أمام "المستثمرين". وجاء فى متن الخبر: "تأسيس شركة ضخمة تحت اسم شركة تنمية المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد الجديدة لتتولى تنفيذ المشروع راس المال المرخص مليار جنيه ورأس المال المصدر 200 مليون جنيه رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب د. أحمد بهجت" ..الخ. وقد وزعت الأسهم على كل من شركة دريم لاند وشركة مستثمرى بورسعيد وشركة الاستثمار والتمويل والمقاولين العرب -الأهرام 2/12/2008 .
وقد سافرت وفود حكومية إلى الخارج للزيارة وللدراسة وللاقتباس .. وشيئا لم يحدث، لماذا هذا؟؟ .. يرجع ذلك فى رأيى إلى سببين: الأول مشروع المنطقة الصناعية لم يبدأ باستشاريين أجانب ثم بمقاولين أجانب، وإنما بدأ بدراسات محلية هزيلة ثم بترشيح شركة المقاولين العرب لتنفيذ البنية الأساسية، يعنى مشروع حسناته جافة DRY- مفيش سبوبات ولا وكلاء ولا موردين أجانب ولا سفريات للخارج والسبب الثانى انه أثناء محاولات إنقاذ المشروع تزامن ذلك مع أزمة بورسعيد وما صاحبها من مظاهرات ضد الحكومة وهتف (الرعاع) ببذاءة، فصدر الحكم غير المكتوب وغير المعلن بإعدام بورسعيد .. الباسلة سابقا!
أن سلسلة المقالات عن شرق التفريعة والتى نشرتها صحف قومية وصحف معارضة تحكى وقائع هذه القصة الحزينة .. ولا داعى لتكرارها. والنفس تحزن عندما ترى أن دولا نامية أخرى شيدت موانيها المحورية ومناطقها الصناعية بلا ضجة وضجيج وشاركت الشركات الأجنبية فى رأس المال وشاركت الحكومة وشارك الشعب فى اكتتاب عام ونجحت حيث فشلنا، وكان الفشل نتاج الجهل والأنانية. وهنا تجدر الإشارة إلى المناطق الصناعية التى سبقتنا إليها الدول العربية التى تعتمد مشروعاتها على البترول والغاز الطبيعى فقامت صناعات الحديد والصلب والبتروكيماويات والأسمدة وتسييل الغاز الطبيعى وبنيت الأرصفة لتفريغ وشحن البضائع  الصب الجافة والصب السائلة والبضائع العامة والحاويات والغاز المسال . وقد بدأت المنطقة الصناعية والميناء "بمسعيد" فى دولة قطر فى منتصف السبعينات . وأسست السعودية المنطقة الصناعية والميناء فى ينبع على البحر الأحمر والمنطقة الصناعية والميناء فى الجبيل على الخليج. ,أسست امارة دبى الميناء المحورى والمنطقة الحرة الصناعية فى جبل على.
ونفيق من حلم إنشاء المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد لنكتب عن الواقع الذى يجسده ما جاء بجريدة الأخبار بتاريخ 29/2/2004 تحت عنوان "منطقة شرق بورسعيد بوابة الخير لمصر كلها، افتتاح الميناء المحورى فى أكتوبر ومجتمع عمرانى يستوعب نصف مليون". عنوان براق، ولكن لم تبتعد الجريدة عن الحقيقة حين قالت: "الوجه الثانى للصورة يثير الشجون على حال المنطقة الصناعية فهى تضم أطلالا لمشروعات صناعية محدودة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة بدأ العمل فيها منذ سنوات وتوقف لأسباب عديدة والحديث عنه لم يتخط مرحلة الأمل والأحلام المرجوة لهذه المنطقة" .. ولك الله يا بورسعيد.                                         
وننعى هناالصديق وائل لهيطه – طيب الله ثراه - مؤسس شركة "إيجيترانس"الذى كان يحلم بعد انتصارنا فى حرب 73 بمشروع استغلال ضفتى قناة السويس بدءا ببورسعيد شمالا ثم مرورا بالفردان والاسماعيلية والبحيرات إلى السويس جنوبا .
ومع كل العك الذى صاحب مشروع المنطقة الصناعية الحرة بشرق بورسعيد على مدى نحو سبعة عشرة سنة إلى اليوم، فان الإيجابية الوحيدة هو وجود دراسات جدوى اقتصادية راقدة فى أدراج قطاع النقل البحرى وكهف وزارة النقل. وقد بدأ هذه الدراسات مكتب خبرة آلمانى فى هامبورج عام 2007 ودراسات موئسسة "الجايكا" اليابانية عام 2008 وأخيرا مؤسسة DHV الهولندية التى سلمت الحكومة المصرية فى نهاية عام 2008 أول دراسة متكاملة للميناء المحورى وأنشطة المنطقة الصناعية وبرامج تنفيذها والبنية الأساسية وذلك كما ورد فى دراسة لرئيس قطاع النقل البحرى الأسبق اللواء بحرى (متقاعد) شيرين محمود.
                          المشروعات القومية الكبرى
وهنا ننتقل لنستعرض بإيجاز المشروعات القومية الكبرى التى تتنافس على أولوية التنفيذ فى الرياح الاقتصادى الحكومى للانطلاق نحو المستقبل
عندما يسود الكساد وينتشر الفساد تزيد معدلات نمو البطالة وتزداد حدة الفقر، فتنمو العشوائيات نموا سراطانيا، وتزيد معدلات الجرائم والبلطجة المادية والاقتصادية وتنشغل الحكومة بالبحث عن موارد لسد عجز الميزانيات حتى لا تضطر إلى إعلان إفلاسها، فتستجدى الآخرين لإقراضها المليارات بشروط اليد العليا . وتبحث عن المنح والحسنات على استحياء باسم الاخوة الإنسانية أو العرقية ويشترط الآخرون أن تشد الحكومات الأحزمة فتصرخ الحكومات فى وجوه شعوبها: "شدوا الأحزمة لكيلا يغرق الوطن..!!. وفى البلاد المتحضرة تخرج الجماهير فى مظاهرات بحراسة الشرطة أما البلاد الأخرى فان الحكومات تواجه المظاهرات بالتهديد والضرب والإهانات وخراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع والغازات المسهلة للبطون وقد يتطور الأمر فتواجه مظاهرات شعوبها بالرصاص المطاطى أو الرصاص الحى إما لقتل المتظاهرين الوحشين أو لأصابتهم فى عيونهم أو فى ظهورهم لشل حركتهم طوال ما بقى لهم من عمر. ويتلازم مع هذه الأحداث تطمين المواطنين أنها كلها يومين وتفرج وان المشروعات القومية الكبرى فى الطريق والاستثمارات ستعود بالهبل. وتزداد حدة هذه الأحداث عقب الثورات السياسية وتبقى الأوضاع على ما هى عليه إلى أن يقضى الله أمرا كان مقدرا . وهذا إذا ما آمن أهل البلاد فيفتح الله عز وعلا بركاته على العباد.
وفى مصر من الله علينا بثورة شبه بيضاء كدر صفاءها جحافل البلطجة المنظمة والانفلات الأمنى إلى أن طلعت علينا الصحف يوم 24/6 ببيان رسمى لرئيس الوزراء بعد مائة يوم على توليه رئاسة الحكومة , جاء فيه أن مصر دخلت مرحلة البناء الاقتصادى. ومن تجارب الدول التى واجهت الكساد والأزمات الاقتصادية أن الحكومات لا تنتظر مبادرات القطاع الخاص ولكنها تدفع بمشروعات كبرى تتولى إدارتها ومشروعات أخرى تولد فرص عماله كثيفة. وهذا ما فعلته الحكومة الأمريكية بقيادة الرئيس روزفلت للخروج من أزمة الكساد الكبير فى الثلاثينات . أما المشروع القومى الكبير فكان إنشاء "هيئة وادى تنيسى" لإقامة سد لتوليد الطاقة الكهربائية ولزيادة الرقعة الزراعية. وأما مشروع مكافحة البطالة فكان ربط الولايات الأمريكية بأكبر شبكة طرق فى العالم وصل طولها عام 2008 إلى نحو ستة ملايين ونصف المليون كيلومتر مصر نحو مائة وتسعة ألف كيلومتر.
أما عبد الناصر  فقد واجه المشكلة الاقتصادية بالتأميم ونشأة القطاع العام . وقاد مشروع السد العالى قاطرة التنمية . وأما السادات فقد أدخل مصر عصر الانفتاح الاقتصادى واقتصاد السوق الحر ولكن على غرار الحرية الاقتصادية التى سادت أوروبا بعد عصور الإقطاع فى القرون الوسطى. وأما مبارك فقد أطلق مشروعات قومية كبرى وهى شبكة الكهرباء وتوشكا وشرق بورسعيد وجنوب السويس. وفى الوقت الحاضر تتزاحم  أمام رئيس الحكومة عدة مشروعات قومية كبرى وفيما يلى نبذه عن كل منها بلا ترتيب وفق أهميتها .  
1- مشروع مدينة زويل: فى كتابه"عصر العلم" قال زويل: "أن جميع تفاصيل المشروع جاهزة وكلفته الأولية مليار دولار واللاحقة مليار دولار أخرى . وسيكون تمويل المرحلة الأولى من المصريين والمرحلة اللاحقة من مؤسسات وشخصيات عالمية وعربية". أما عن قدرة المصريين لتمويل المشروع , فإن إحدى مؤشراتها هو ما أعلنه وزير المالية مؤخرا أن إجمالى تبرعات المصريين بالداخل والخارج لدعم الاقتصاد المصرى بلغت سبعة عشرة مليون جنيه فقط أى أقل من ثلاثة ملاين دولار - وقال الوزير: "والله الواحد مكسوف وهو بيقول هذا الرقم".
 وبدلا من أن يقيم زويل مشروع زويل باستغلال مبانى ومعامل مدينة مبارك للبحوث، فإنه استحلى "جامعة النيل" ليستولى على معاملها ومبانيها ليبدأ مشروعه العلمى كجامعه هندسية متخصصة فى الاتصالات . هذا بينما "جامعة النيل" قامت بالفعل بعقول مصرية جاءت من المهجر فى أمريكا وأوروبا لتتخصص فى البحوث التطبيقية التى تسهم فى تقدم الصناعة المصرية. والطريف والمحزن فى آن واحد هو أن زويل قام بزيارة "جامعة النيل" فى حراسة وزير التعليم العالى ووزيرة التخطيط ليعلن لطلبة الجامعة من شباب الثورة!!- أنه سيفكر فى مستقبلهم فى سبتمبر المقبل .. !!. وبالمناسبة لم نسمع فى أى بلد متحضر عن جامعة أينشتين أو جامعة أسحق نيوتن ..الخ .. يا خسارة.

2- مشروع محطة الطاقة النووية بالضبعة: منذ نحو خمسة أعوام أعلن الرئيس السابق مبارك أنه قد وافق على طرح مناقصة عالمية لتشييد محطة نووية بالساحل الشمالي. وقد تم ذلك بالرغم من عدم تكوين تشكيل تنظيمي لإدارة وتشغيل محطة نووية وكذلك عدم توفر العناصر البشرية المؤهلة علميا وعمليا في المجالات المتخصصة في تشغيل المفاعلات النووية الكبيرة لتوليد طاقة كهربائية بسعة 1500 ميجاوات مثلا . ولا وجه للمقارنة هنا بين تلك المحطة وبين المفاعل النووي في أنشاص لغرض الأبحاث ونسبة ميجاوات لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة. والجهة الوحيدة في العالم التي تجمع بين التأهيل الفني وإمكانية تقديم التسهيلات التمويلية هي الولايات المتحدة الأمريكية. وقرار بناء محطة نووية من عدمه ليس سياسيا فقط ولكن يجب أن يشارك فيه أهل الخبرة الفعلية وليس أهل الشهادات العلمية الذين جلسوا وراء المكاتب في مصر. ولعل الدكتور"طلال عبد المنعم واصل" خبير الأمان النووي بأمريكا . هو أقدر الشخصيات لتقييم هذا المشروع العالي لا سيما بعد الآثار المدمرة لزلزال وتسونامى اليابان  في مارس الماضي والذي دمر ثلاثة مفاعلات تمتلكها شركة كهرباء طوكيو مما أدى إلى إقفالها بعد تسرب الإشعاعات وتهجير آلاف السكان. وقد قامت مظاهرات في دول أوروبية تطالب بوقف برنامج بناء محطات نووية لتوليد الكهرباء.
3- ممر التنمية الغربي: قام بدراسة هذا المشروع العالم المصري د. فاروق الباز وفريقه العلمي. ويستهدف هذا المشروع إقامة مجتمعات عمرانية كاملة تسع نحو 30 مليون نسمة ويشمل قرى ومدن ومناطق صناعية وتجارية وسياحية  وزراعة مساحة نحو مليون فدان. ويمتد المشروع من العلمين إلى الجنوب بطول 1200 كيلومتر ويتصل بالدلتا ووادي النيل مارا بتوشكا حتى حدود مصر مع السودان، بنحو 15 ممر عرضي. ويساهم هذا المشروع فى مواجهة مشكلة وصول عدد السكان إلى نحو 140 نسمه عام 2050. كما يواجه مشكلة التعديات على اللأراضى الخصبة في الدلتا والوادي بمعدل نحو ثلاثين ألف فدان سنويا لتختفي الأرض الخصبة في مدة أقل من قرنين من الآن. عفارم على الانتماء الوطني باستفحال مشكلة التعديات بعد ثورة يناير!! .
وتبلغ التكلفة الإجمالية لتنفيذ هذا المشروع  على مدى سنوات تنفيذه , نحو أربعه وعشرون مليار دولار. ومن أهم مميزات المشروع هو ربط القارة الإفريقية بخط سكة حديدية تمتد من الساحل الشمالي إلى توشكا إلى السودان إلى جنوب إفريقيا لربط القارة الإفريقية عبر مصر إلى أوروبا مع إنشاء ميناء محوري جديد في  الساحل الشمالي . ولعل هذا الاقتراح هو المحك ACID TEST لمدى جدية الصندوق والبنك الدوليين والينك الاوروبى للإعمار والتنمية والبنك الاسلامى للتنمية والبنك الافريقى للتنمية. كل هذه الجهات تتمنى أن تنشأ مواني جديدة في مصر لأنها تدرك يقينا أن مصر غير قادرة لا على إنشاء المواني ولا على تنفيذ المشروعات العملاقة. إن مشروع ممر التنمية الغربى  يكمل مشروع تنمية سيناء بعد إنقاذه من إهمال الحكومات المتعاقبة له على مدى أكير من ثلاثة عشر عاما. راجع مقال "المقطورات .. أزمة أم كارثة وأين الحل" مجلة "انترناشيونال الاقتصادية" أعداد ابريل ومايو ويونيو 2011. ويتضمن هذا المقال اقتراح مد خطوط السكك الحديدية. والمقال تائه في أروقة وزارة النقل ومجلس الوزراء منذ ابريل 2011 .
4- المشروع القومي لتنمية سيناء: طلعت علينا جريدة الشروق بعنوان رئيسي بعدد 7 مايو الماضي: "مشروع تنمية سيناء الأقرب للتنفيذ وتكلفته سبعين مليار جنيه." وجاء في متن الخبر أن احد أفراد الفريق المشرف على إعداد خريطة التنمية العمرانية لمصر 2050 : "كشف عن اتجاه هيئة التخطيط العمراني تنفيذ هذا المشروع ليتضمن إنشاء نفق أسفل البحر ليصل سيناء بالسعودية أسوة بالنفق بين انجلترا وفرنسا. وذلك إذا ما اعترضت إسرائيل على إقامة الكوبري ". أقسم بالله أن إسرائيل ستفرح كثيرا لسماع هذا الخبر لكي تعترض بالفعل على تشييد الكوبري حتى ينفذ المصريون مشروع النفق ليزداد غرق مصر في بحر الديون مالم تسدد السعودية الفاتورة . ويقترح الفريق المذكور أن يستكمل بنود المشروع باستغلال بحيرة البردويل وإقامة مشروعات تنموية ومناطق حرة وخدمات للسفن بطول قناة السويس واستغلال 600 ألف فدان بترعة السلام خلال العشين عاما المقبلة. واستطرد المصدر قائلا أن مشروع "ممر التنمية الغربى"  يكلف مائتي مليار جنيه بينما الصحيح هو نحو 24 مليار دولار على مدى سنوات تنفيذ المشروع.
 إن حكومة مصر الحالية مازالت تسير على خطى الحكومات قبل الثورة فيما يختص بقصر الهيئات التي تدرس أى مشروعات جديدة على موظفي الحكومة وأساتذة الجامعات الذين يفتقر معظمهم إلى الخبرات العملية. لابد من طرح كل هذه المشروعات على مراكز البحث والهيئات العلمية وجمعيات رجال الأعمال ذلك أن تربيطات الوكلاء المصريين    تريد أن تنقض على الغنائم كما حدث في مشروعات محطات الحاويات فى موانئ شرق بورسعيد والعين السخنة و دمياط والإسكندرية وفى عقود تصدير الغاز. هذه التربيطات مازالت تعيش بيننا. وكل هذه المشروعات التي ذكرتها فى مصر غابت عنها الشفافية وذلك على عكس ما  حدث في الهند وماليزيا وسلطنة عمان أثناء التفاوض مع الأجانب لتشييد ولإدارة محطات الحاويات والموانى المحورية .
 المهم أنه بعد كل هذا الكلام عن سيناء لمدة تزيد عن ثلاثين عاما يتبين أن مشروعات سيناء ليس لها كيان مستقل لإدارة تنميتها. فقد نشرت جريدة الأهرام يوم 11 مايو الماضي الخبر التالى : "أكد اجتماع اللجنة الوزارية لتنمية سيناء برئاسة د. شرف مواصلة المخطط الكامل لتنمية سيناء وإنشاء كيان قوى ومستقل لإدارة منظومة التنمية في سيناء". وهنا أحيل رئيس الوزراء إلى مقال جريدة الوفد بتاريخ 21 ابريل الماضي بعنوان "سيناء أرض الله".
5- مشروع منخفض القطارة: أعلن وزير الزراعة واستصلاح الاراضى عن موافقة الحكومة على دراسة تغيير نشاط نحو مليون فدان جنوب منخفض القطارة إلى الزراعة بالمياه الجوفية ومستقبلا بتحليه مياه البحر المتوسط الأهرام 1/6/2011. والسؤال هو هل نجحت وزارة الخارجية ووزارة التعاون الدولي في استرجاع حقوق مصر المهدرة في مواجهة دول المحور ودول الحلفاء لإزالة مخلفات وحقول ألغام الحرب العالمية الثانية؟ .. ولماذا لا تواجه مصر هذه الدول لكي تلتزم بمسئولياتها بدلا من الاعتماد على منظمات الأمم المتحدة  والإكتفاء بصدقات ومنح تلك الدول ؟!  .. وهل حقيقي أن الساحل الشمالي ومنخفض القطارة سيتم تطهيره بالكامل في أواخر 2015؟! .. إن الموضوع ليس فقط استزراع مليون فدان على الورق ولكنه الثروات الكامنة في الساحل الشمالي ومنخفض القطارة للبحث عن البترول والغاز وتوليد الكهرباء واستغلال مايزيد على اثنين مليون فدان صالحة لتربية الماشية. إن هذا المشروع يتكامل مع مشروعات الممر الغربي وتوشكا والعوينات. انه مصر المستقبل .. واسألوا السفير فتحى الشاذلى.
مرة أخرى إن هذا المشروع هو المحك ACID TEST لمصداقية وعود نيوزلندا واستراليا وإيطاليا وألمانيا لتمويل المشروعات التي لا تدر بالمليارات لصالح مصر فقط ولكن لصالح تلك الدول ذاتها لتنفيذ ميجا مشروعات ستدر عليها المليارات . . ولو صدقتلساهمت فى حل مشاكل البطالة بها ومشاكل غول البطالة في مصر .. السؤال: من يسمع ومن يدرس .. بل هل من يحب  هذا البلد الذي أغرقه الطغيان في بحر الفساد لأكثر من نصف قرن ..؟!
6- مشروع شرق بورسعيد: يتميز مشروع شرق بورسعيد مقارنة بالمشروعات القومية الكبرى التي تحدث عنها رئيس الوزراء في جوهانسبرج في 11/6 أثناء حضور القمة الثانية لتجمعات الكوميسا، أنه المشروع الوحيد الذي اكتملت دراسة جدواه الاقتصادية  في أوروبا واليابان والذي بدأ تنفيذه ببناء محطة حاويات الميناء المحوري وتأسيس "شركة قناة السويس للحاويات" التي استحوذ على ملكيتها الأجانب بنسبة 75 في المائة "ومنصور والمغربى" بنسبة نحو 10% وتبقى الفتات للحكومة المصرية بنسبة 15%. وقداسترجع المساهمون ما دفعوه من رأس المال فى سنة واحدة.  
ويبقى استكمال الميناء المحوري والبدء في تنفيذ المنطقة الصناعية الحرة في ظهير الميناء. ولتكن على مساحة عشرة كيلومترات مربعة على نحو ما شيدت عليه منطقة  "شنزن" في الصين, ولكن للأسف أن استكمال تنفيذ دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع شرق بورسعيد تاه بربطه بمانشتات وكلام مرسل عن مشروع ممر التنمية بطول قناة السويس.
وتانى للمرة الألف نتكلم عن الموقع العبقري والخدمات العالمية للسفن المارة بالقناة وترسانات بناء السفن وصناعة تقطيع السفن الخردة .. الخ , ولا نلتفت إلى ما هو اقرب من أنوفنا وما هو في متناول التنفيذ . ولو أن الحكومة اكتفت بإنقاذ المليارات الضائعة في سيناء بلا هلوسة الإنفاق وحفر الأنفاق بين مصر والسعودية فان ذلك وحده كفيل بالانطلاق الجاد نحو المستقبل جنبا إلى جنب مع تنفيذ ممر التنمية الذي طرحه الدكتور الباز.
  وهنا نلتقط خيط شرق بورسعيد لنصله باقتراح دولة قطر إنفاق نحو تسعة ملايين دولار لاستكمال المشروع . والسؤال الذى يفرض نفسه هنا هو : "أهلا بقطر ولكن  بأى شروط؟.. ونؤجل الإجابة إلى ما بعد أن نتكلم بصفة عامة عن مصادر التمويل المحتملة للمشروعات القومية.
                              التمويل .. من أين؟!                                                                               
من بديهيات علم الاقتصاد أن أي مشروع صغر آم كبر يعتمد على أربع: الأرض ورأس المال والبشر والمنظم. ومصر تمتلك الأرض بخيراتها ومواقعها ولديها البشر إذا أحسن تعليمهم وتدريبهم. والمنظم هم أصحاب الأعمال من صاحب الدكان وكشك السجاير عبورا بباقي القطاع الخاص من أفراد وشركات إلى أن ننتهي إلى أهم واكبر وأقوى منظم وهو الحكومة. والحكومة أثبتت التجارب أنها منظم فاشل فاسد في غياب العدالة الاقتصادية وكارثة عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لخبرته وقدرته. حكومة ينوء كاهلها التنظيمي بنحو سبعة ملايين موظف  لخدمة نحو ثمانين مليون مواطن. حكومة بيروقرطيتها مفسدة.. حكومة مازال شعبها يشد الحزام مند أكثر من نصف قرن في انتظار الفرج.
  أما التمويل الخارجي  لم تحصل عليه الحكومة إلا بشروط اليد العليا لتعود معظم عوائده إلى الخارج وإلى لصوص المال العام أيا كانت مواقعهم. وقد استمرت الحكومات استجداء إسقاط الديون واستجداء المنح والمعونات والهبات فإدا ما حصلت عليها أنفقت معظمها في غير مرادها واستباحها لصوص المال العام. فقد كان مجموع المعونات والمنح التي حصلت عليها مصر – ثمنا لإغماض عينيها عن القضايا القومية – في الفترة من عام 1982 وحتى عام 2010 نحو 213 (مائتين وثلاثة عشرة) مليار دولار أهدر منها نحو 185  مليار دولار – مركز الدراسات الاقتصادية عدد "المصري اليوم" 30/6/2011. واذا ما صحت  الأرقام ,فان هذه المبالغ أهدرت  في رواتب خيالية وسفريات وبذخ ومستشارين مصريين  وتجهيزات مكاتب الوزراء إلى آخر السفه الدى عايشناه . تخيل – بحسرة – أن ال185 مليار دولار كانت تكفى لتغطية تكاليف كل المشروعات القومية الكبرى التي نفكر فيها ابتداء من مشروعات تنمية سيناء إلى شرق بورسعيد إلى طول قناة السويس حتى السويس ثم وصولا إلى ممر التنمية من العلمين إلى توشكا والوادي الجديد إلى حدودنا مع السودان وغربا إلى منخفض القطارة وإلى مشروع الاكتفاء الذاتى من القمح بل ولتفيض أموال لتمويل مشروعات النقل النهري ومد السكك الحديدية وإصلاح التعليم والتدريب وإعطاء د. زويل اثنين مليار دولار ليتخلى عن عدم هدم جامعة النيل..!!.
 هذا عن الماضى الكئيب، أما عن الحاضر فقد تغيرت الظروف الدولية وأصبحت دول الاتحاد الأوروبى تواجه مشكلات البطالة وأزمات اقتصادية وعجز ميزانيات دفع ببعضها إلى حافة الإفلاس مثل اليونان تطلب 130 مليار دولار والبرتغال ودول شرق أوروبا بل وأسبانيا. أما ماما أمريكا فلا تنفق على الآخرين إلا بالقطارة. وحكومتها طلبت من الكونجرس نحو مليار وثلاثمائة مليون دولار إعانة لمصر عام 2012.  يعنى فتفوته بالمقارنة بما نهبه حكام مصر قبل ثورة 2011. أما الدول العربية فقد جفت منابعها فهى تريد أن توجه انفاق فوائضها إلى استرضاء شعوبها بزيادة المنح والإسكان المجانى والمشروعات المحلية ..الخ وذلك طلبا للاستقرار ولإبعاد شبح الانتفاضات والثورات عن أنظمتها الحالية. أيضا أن مجموع ما قدمته السعودية لمصر الثورة هو اتفاقية قرض ومذكرة تفاهم مع الصندوق السعودى للتنمية لتمويل مشروع محطة كهرباء بنها بمبلغ خمسين مليون دولار بفائدة 2%، ومنحة قدرها مائتى مليون دولار لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة الله وحده يعلم أين ستذهب وقرضا ميسرا بمبلغ نصف مليون دولار لتمويل المشاريع الإنمائية ذات الأولوية وتمويل الصادرات السعودية عدا النفطية إلى مصروذلك بما يعادل 750 مليون دولار. كما قدمت السعودية نصف مليار دولار لدعم الموازنة. ماكو قروض مجانية .. وماكو ميجا قروض.
 ولعل ما حفز رؤساء الحكومات الغربية إلى التصريح  بأنه: "كفى تدليل أذ لابد أن ،تأكد من إنفاق القروض فى وجوهها الشرعية" يعنى عودة وصاية صندوق الدين موديل القرن 21 ولعل مبعث هذا كله هو فضائح سرقات الوزراء والحكام المصريين للمال العام وانحدار 40% من الشعب المصرى إلى تحت خط الفقر. لقد ذهب وزير الخارجية المصرى مؤخرا فى جولة أوروبية شملت بلجيكا وستراسبورج ليلقى كلمته أمام البرلمان الأوروبى قائلا أننا أصبحنا ناس كويسين وبلدنا ديمقراطى وعايزين قرشين. وكان رد وزير الشئون الأوروبية البريطانى أن المساعدات ستكون مرهونة بتبنى نظم الحكم الجديدة إصلاحات اقتصادية وسياسية واضحة. وإذا كان عهد المنح التى لا ترد قد انتهى وجفت مناعبة، فما العمل أذن؟!. نلجأ إلى البنك والصندوق الدوليين لنغرق كما غرقت دول أوروبية؟! .. لماذا لا نفكر فى دراسة التجربة الماليزية وتجربة كوريا الجنوبية؟! .. لماذا لا نفكر فى حفز القطاع العائلى المصرى لكى يساهم فى مشروعات أرباحها مضمونة مثل محطات الحاويات فقد بلغ صافى أرباح شركات الحاويات الثلاث الحكومية عام 2010/  2011 " نحو550 مليون جنيه . أما محطة حاويات شرق بورسعيد  فقد كان أول من جنى ثمارها شركتان أجنبيتان استحوذا على نسبة 75% من راس المال استردوها بعد سنة واحدة.
 إن إجمالى الودائع فى بنوك مصر يزيد على تسعمائة مليار جنيه وإجمالى أصول البنوك المصرية تريليون جنيه ومائتين وسبعين مليار جنيه بنهاية مارس الماضى. ألم تكن نفس هذه البنوك هى التى أقرضت بلا ضمانات حقيقية رجال أعمال معظمهم فاسدين بمجرد اتصال تليفونى من الحكام .. "مرزوق أفندى أدى له قرض" .. والجواب جاهز.. "حاضر يا أفندم".
 يجب على أى حكومة إنقاذ وطنى أن تعمل على سد خروق التهتك الأمنى وسيطرة البلطجية على حياتنا بدءا بقطاع الطرق والبلطجية أبو سيف وسنجه إلى بلطجية التعدى على آلاف الافدنة الزراعية إلى بلطجية سرقة المال العام واستغلال الوظيفة واحتكار قوت الشعب .. الخ. بل يجب نشر أسمائهم وعناوينهم فى صحائف سوداء. ليطمئن الصالحين من أفراد الشعب وليطمئن المستثمرون العرب والأجانب.
يا سادة أن أثمن ما تقدمه مصر لجذب المستثمرين والاستثمارات الخارجية هو دراسات جدوى اقتصادية جادة غير مفبركة لمشروعات أثمن عناصرها هى الأرض والموقع والبشر المدرب. إن الشركات العابرة للقارات لن تضخ استثماراتها فى البلاد المتخلفة ما لم تتأكد من جدوى المشروعات التى تدعى إلى المساهمة فيها. أما مشروعات يافطات الموقع العبقرى والأيدى العاملة الرخيصة وادعاءات استقرار الأمن بينما البلطجية يمرحون فى طول البلاد وعرضها، فإنها لن تخيل على الأجانب إلا إذا كانوا بلهاء ومغفلين.. وهم ليسوا كذلك. مرة أخرى أن مشروع شرق بورسعيد الذى أتمنى أن نسميه مشروع الفرما بدلا من لخبطة شرق وغرب بورسعيد هو المشروع الجاهز بدراسة جدواه وذلك لاستكمال الميناء المحورى وتخطيط المنطقة الصناعية الحرة بأموال المصريين ومشاركة دولة قطر.
خلصنا فيما سبق إلى أن جذب الاستثمارات الأجنبية بطريق المنح والمعونات والقروض لن يكون بنفس السهولة النسبية كما كان قبل 25 يناير. وذلك لعدة أسباب أهمها :
أولا: أن الثورات الفجائية في دول الربيع العربي قلبت موازين الاستقرار السياسي الذي أفرزه الحكم السلطوي وراهن عليه الآخرون. ثانيا: تغير المناخ الاقتصادي في الغرب إلى الأسوأ بسبب الأزمات الاقتصادية التي جذبت دولا في الاتحاد الأوروبي إلى حافة الإفلاس. إن دولة واحدة كاليونان مثلا لن ينقذها سياسيا واقتصاديا إلا حزمة مساعدات وقروض لا تقل عن 130 مليار دولار. ودومينو الانهيار يهدد دولا أخرى مثل أيرلندا والبرتغال وأسبانيا، ناهيك عن دول شرق أوروبا. هذه الدول هي الأولى بالإنقاذ وليس دول الربيع العربي. ثالثا: إن الحجم المهول لسرقات المال العام في مصر على مدى أكثر من ثلاثة عقود بما في ذلك بلاوى الصناديق الخاصة يجعل الدول المانحة والمستثمرون يرجعون القهقرى حتى لو سمعنا منهم  معسول الكلام إعجابا بالثورة. ناهيك عن استمرار البلطجه المنظمة وقطع الطرق حتى كتابة هذه السطور. إن مباحثات رئيس الوزراء الصينى مع نظيره البريطاني يوم 27/6 أسفرت عن عقد صفقات لم يتجاوز حجمها ملياري  ومائتي ألف دولار. قارن ذلك الرقم بما نحلم به من تدفق استثمارات أجنبية بعشرات المليارات من الدولارات إعجابا بثورة 25 يناير ..!!. وهذا يذكرني بما قاله  السادات بعد نصر أكتوبر 73 ثم طرد الخبراء الروس : "عام الرخاء قادم .. !!.
ليس أمام مصر إلا أن تتوكل على الله بحق معتمدة على إمكانياتها الذاتية وسد خروق الفساد الذي مازال يستنزف مواردها المالية والمادية بل .. والبشرية.
ومع استمرار اتساع فجوة عجز الموازنات العامة سنة بعد أخرى، تقف الحكومات المتتالية شبه مشلولة أمام معضلة تمويل مشروعاتنا القومية الكبرى. وقطاعنا الخاص ليس على مستوى إعداد دراسات جدوى اقتصادية أو تنفيذ هذه المشروعات لا تمويلا ولا خبرة. ويكفى قطاعنا الخاص التوسع في نطاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتجارة الأراضي وتوكيلات الشركات الأجنبية .  
ويؤكد ما سبق أن بعثات طرق وخبط الأبواب إلى أمريكا وبلاد أخرى لاستجداء الاستثمارات الأجنبية قد فشلت. ولا يبقى أمامنا إذن إلا الاستهداء بتجارب ماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا بل واستقدام مستشاريهم بعيدا عن المكاتب الاستشارية المصرية التي ينضم إليها العديد من الوزراء بعد تركهم كراسي الوزارة بدعوى أنهم واصلين و أنهم الأقدر على اختراق ثغرات غابة التشريعات وأنهم  الأكثر تجربة وفهما لدهاليز الوزارات وصولا إلى الطبقة الحاكمة من متخذي قرارات البت في المناقصات الحكومية الدسمة لتنفيذ ولتوريد معدات المشروعات الكبرى.
إن لاستهداء بالتجربة الماليزية والتركية مثلا سوف يعين الحكومة لحفز القادرين من أبناء شعب هذا البلد للمساهمة في تمويل المشروعات القومية الكبرى وفق سلم أولويات سليم لا يحكمه أهواء  طبقات المستفيدين الذين يدعون خبرات لا يملكونها.والأداة الرئيسية لحفز المصريين القادرين أصحاب ودائع مجموعها بالمليارات راقدة في خزائن القطاع المصرفي ,هو الأمل لتمويل المشروعات القومية الكبرى التي تكون عائداتها على رأس المال المدفوع أعلى من معدلات التضخم و أعلى من أسعار فوائد الودائع المصرفية. مرة أخرى يتحتم أن يسبق ذلك كله انتشال مصر من القاع بإعادة الأمن والأمان إلى بر مصر.
                         قطر .. شركاء التنمية
إن الدولة الوحيدة التي جاءت إلى مصر بعروض جادة محدده خالية من أفخاخ القروض واشتراطاتها، هي دولة قطر.فقد أعقب زيارة أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للقاهرة واجتماعه بالمشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري، قيام رئيس الوزراء المصري في مطلع شهر مايو الماضي بزيارة الدوحة. وبتاريخ 28 مايو الماضي اجتمعت "اللجنة المصرية القطرية المشتركة" بالقاهرة برئاسة وزيري التعاون الدولي المصري والقطري لإزالة كل المعوقات التي تقف في سبيل تنمية التعاون الاستثماري وتدفق الاستثمارات إلى مصر. وأعلن وزير الدولة للتعاون الدولي القطري عن استثمارات قطرية في مصر في مشروعين يتجاوز حجمهما نحو عشرين مليار دولار ويحققان مليونا وثلاثمائة ألف فرصة عمل، الأول في ميناء شرق بورسعيد بحجم استثمارات تفوق تسعة مليارات دولار والثاني ميناء في منطقة الملاحات بالإسكندرية(!؟) ليوفر أكثر من مائتي ألف فرصة عمل للشباب المصري. ودعا الوزير القطري الشركات المصرية لدخول السوق القطرية في كل مجالات الاستثمار لا سيما تنفيذ مشروع ميناء الدوحة الجديد. ودعت الوزيرة المصرية بدورها إلى زيادة الاستثمارات المشتركة في عدد من المجالات المهمة أهمها الأمن الغذائي . وقد   بحثت اللجنة سبل التعاون في مجالات إنشاء المواني والطرق وبناء وإصلاح السفن والنقل البحري. هذا إلى جانب بحث مجالات أخرى للتعاون بين البلدين. المصدر: جريدة الأهرام 29/5، جريدة الشروق 29/5، جريدة المصري اليوم 17/6.
وترجع أهمية المبادرة القطرية إلى جديتها لاسيما أن أمير دولة قطر هو الوحيد من القادة العرب الذي بادر بزيارة مصر بعد ثورة 25 يناير. وتتمثل هذه الجدية في تحديد قطر لمشروعات بعينها. وإن كنت أعتقد أن هناك لبس أو خطأ في موضوع ما ذكره وزير المالية المصري سمير رضوان عن: "استعداد الحكومة القطرية لتمويل إنشاء اكبر ميناء في العالم بمنطقة الملاحات بالإسكندرية" جريدة الأهرام 24/5. تانى .. تصريحات  فشنك .. ؟!.
نعود إلى جدية البيان المشترك لنقول أنه لا توجد شركات في مصر حكومية أو قطاع خاص لديها الإمكانيات والخبرات الفنية والمالية لإنشاء مواني بحجم ميناء الدوحة الجديد. وبالمثل لا يوجد في قطر أي جهة حكومية أو قطاع خاص لديهم خبرة تشييد أي ميناء أو بناء وإصلاح سفن ..الخ. إنما ما تملكه قطر هو عنصر رأس المال التمويل وعنصر خبرة المنظم ENTREPRENEUR التي أكسبت دولة قطر خبرتها في حسن اختيار المستشارين الدوليين ثم حسن اختيار المقاولين العالميين لتفيد المشروعات التنموية. وكذلك   حسن اختيار الشركاء. كما اكتسبت قطر مهارات التفاوض باللغة الانجليزية لضمان الحصة العادلة لقطر في مواجهة الأجانب.كل هذه المهارات تفتقدها مصر .. للأسف. إن خيابة العقود التي وقعتها مصر في أجواء الفساد التي أطاحت بمصالحها, معروف للكافة. ودور القطاع الخاص القطرى ليس هو اقتناص المقاولين والموردين لتمثيلهم والضغط على المفاوض الحكومى القطرى لتوقيع ملاحق سرية كما حدث فى مصر فى عقد "شركة قناة السويس للحاويات" وعقود توريد الغاز إلى إسرائيل وعقود "ميدور" وغيرها. أيضا لا يوجد فى دولة قطر من يدعى القدرة على إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية كما هو الحال فى حكومتنا المصرية السنية.إن مجالات العمل لاستكمال توسعة الميناء المحورى فى شرق بورسعيد ميناء الفرما واسعة جدا. و دراسات الجدوى التى أعدتها البيوت الاستشارية الألمانية واليابانية والهولندية (DHV) لتوسعات الميناء المحورى القائم ودراسات المنطقة الصناعية الحرة فى ظهير الميناء المحورى، كلها جاهزة  للتنفيذ ولن تنجح إلا بالتعاون مع دولة قطر فى شفافية بعيدا عن أجواء الاحتكار الذى دمر مصالح مصر فى محطة حاويات شرق  بورسعيد على النحو الذى ذكرناه فى هذا المقال. راجع أيضا مقال:  "خمسة مليمات إيجار المتر المربع فى شرق بورسعيد " الأهرام 21/6/98. ومقال "شرق بورسعيد .. من ينفذ توجيهات الرئيس" جريدة الأخبار 27/8/2001. ومقال "اللعبة الجديدة .. رهن موانى مصر" ومقال "صفر المنطقة الصناعية .. محنة بورسعيد" الأحرار7/8/2009 والأهرام 17/8/2004.
إن دولة قطر مدعوة للشراكة العادلة ولكن ليس للاحتكار بدعوى تمويل المشروع القومى فى شرق بورسعيد بالمليارات. ولا اعتقد أن قطر تستهدف تكرار تجربة شركة (م. ب. موللر) الدنمركية للانقضاض على مصالح مصر بمعاونة الطفيليين الذين خربوا مصر.
أقول لقطر يا هلا بالمشاركة الأمينة ولا للاحتكار. والله ثالث الشركاء مالم يخونا.
القاهرة 27/6/2011                                    
                                                      ربان/ محمد بهى الدين مندور


الثورة ... وزارة النقل لم تفهم بعد !!

                                                                      ربان / محمد بهى الدين مندور                       

"عندما يجاوز الظالمون المدى , تنفجر ثورات الشعوب الحية مستهدفة التغيير الفورى والجذرى لإسقاط الطغاه ولاسقاط النظم الحاكمة المستبده الفاسده . فإذا ما سقطوا يتابع المد الثورى مسيرته مستهدفا التغيير الاقتصادى والاجتماعى وذلك من خلال إعادة بناء مؤسسات المجتمع سياسيا واقتصادياَ واجتماعياَ ... وأخلاقياَ .
ويرتكز نجاح هذا التغيير الشامل على التحرك السريع والمتواصل لتأمين الثورات أمنياَ واقتصادياَ فى مواجهة الثورات المضاده والتدخلات الخارجية. وايضا يتوقف نجاح التغيير الشامل على سرعة تحرك حكومات الثورات فى مسارات متوازية لاختيار قيادات ثورية شابه وفق معايير موضوعية لكى تتولى مسئولية إعادة بناء تلك المؤسسات ولاسيما الحكومية منها . وما لم تبادرتلك القيادات الثوريه الجديدة بتطهير تلك المؤسسات من بطانات الرئاسات المخلوعة , فإن نفس تلك البطانات تستمر قابضة على مقاليد الامور مع استمرار المناخ الفاسد الذى كان سائدا فى تلك المؤسسات قبل اندلاع الثورات . وهكذا تنتكس البلاد لتتقهقر الى الربع الاول بل إن لم يكن إلى ما هو اسوأ منه.. وكأ نك يا ابو زيد ما غزيت."

ومثال ذلك فى مصر هو ما يحدث فى دواوين بعض الوزارات التى لم تفهم بعد ثورة يناير ..وربما لن ولا تريد ان تفهمها . وإلى القارىء المثال التالى عن بيروقراطية وزارةالنقل.  

1.    المفروض بعد الثورة ان يهتم كل وزير بوضع البرامج التى تتواءم  مع الأهداف والسياسات العامة والمعايير التى من المفروض ان تضعها حكومة الثورة . والمفروض ان يبدأ كل وزير بإعادة تنظيم القطاعات التابعة له والتأكد من أمانة وكفاءة شاغلوا الوظائف الحاكمة فى ديوان وزارته . و إذا ما استمرما شاب بعض المشروعات القومية الكبرى من فساد  قبل الثورة , فإن أقل ما يوصف به الحال انها رخاوه وتمييع لا يتفقان مع مبادىء الثورة بل سيشدها إلى الوراء.

2.    ومن أهم المشروعات القومية الكبرى قبل الثورة " مشروع شرق التفريعة" فى  بورسعيد الذى فتح ملفه منذ أكثر من ستة عشرة عاما . ويرتكز هذا المشروع على جناحين :  الأول تشييد ميناء محورى عالمى على مساحة نحو 22 مليون متر مربع يخصص بأكمله لتداول حاويات بضائع الترانزيت . و الثانى منطقة حرة  صناعية اقتصادية خصص لها نحو 87 مليون متر مربع فى ظهير الميناء المحورى الممتد فى غرب سيناء . 

3.    اهملت حكومات الجنزورى وعبيد ونظيف جناح المنطقة الصناعية ربما لأنه
 اكبر من قدرات ورؤى تلك الحكومات واهتمت بجناح تشييد الميناء المحورى. وقد تحملت مصر بمفردها تكاليف تشييد الميناء وتم تأسيس " شركة قناة السويس للحاويات" لإدارة محطة الحاويات تشغيلا وتسويقاَ. وفى الوقت الحاضر أصبح رأس مال الشركة المدفوع خمسة وخمسين مليون دولار موزعاَ َكما يلى : خمسة وخمسين فى  المائة لمجموعة "  أ. ب . موللر " الدنمركية وعشرين فى المائة " لشركة "كوسكو باسيفيك  " الصينية وعشرة فى المائة لهيئة قناة السويس وخمسة فى المائه للبنك الأهلى وعشرة فى المائه للقطاع الخاص المصري أصبح معظمها فى حوزة محمد منصور واحمد المغربى الوزيرين السابقين وأغلبها مشتراه من حصة ابراهيم كامل الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة . أما كارثة مد امتياز الشركة من 30 إلى 49 سنه فالمسئول عنها الثلاثى ابراهيم كامل ومنصور وزير النقل  ونظيف رئيس الوزراء الأسبقين. إن مدة هذا  الامتياز  أمر غير مسبوق فى عقود إدارة الموانى المحورية على مستوى العالم . وقد حققت " شركة قناة السويس للحاويات" المصرية الجنسية – التى يملكها الأجانب بنسبة 75 فى المائة - حققت  صافى أرباح خمسة وخمسين مليون دولار بميزانية 2010 فاستعاد المساهمون ما دفعوه من راس المال فى سنة واحدة !!.

4.    فى مايو 2010 كتبت مقالاَ بعنوان " ميناء شرق بور سعيد .. أين المصريون؟!"
تضمن وقائع مد الامتياز الى 49 سنه . وفى 13/5/2010 أرفقته بخطاب أرسلته الى رئيس الوزراء – نظيف – منبها الى خطورة مد الامتياز حتى عام 2053 . كما أرسلت  نفس المقال إلى كل من رئيس الجمهورية ووزير النقل .. وكالعادة لم يتحرك أحد . أرسلت المقال إلى الجرائد اليومية فلم تنشره ولو حتى كخبر عن كارثة مد الامتياز إلى 49 سنة و هو الأمر الذى يهم كل المصريين. وبتاريخ 6/6/2010 انفردت صحيفة " العالم اليوم" بنشر معظم المقال بعددها  5915 . وأيضا لم يتحرك أحد . 

5.     فجأة اندلعت ثورة 25 يناير ثم نشرت الصحف خبراَ بإحالة عقد ميناء السخنة   
إلى النائب العام – نفى وزير النقل الخبر فيما بعد- فأرسلت فى 9/3/2011 برقية إلى كل من رئيس الوزراء ووزير النقل بأنه كان من الأولى إحالة عقد "شركة قناة السويس للحاويات " إلى النائب العام لاحتكار الشركة إدارة محطة حاويات شرق بور سعيد لمدة 49 سنه  وطلبت أخذ أقوال ابراهيم كامل. . ولم يتحرك أحد.

6.    بعد مرور 42 يوم على إرسال البرقية بعاليه , تلقيت رداَ برقم 445 من إدارة خدمة المواطنين بالهيئة العامة لموانئ بور سعيد "تحيطنى علماَ بأن :
موضوع البرقية بشأن احتكار الشركة لادارة محطة الحاويات لمدة 49 سنة  هو قيد
الدراسة بمكتب المهندس وزير النقل.  

7.    بتاريخ 17 إبريل ارسلت إلى كل من رئيس الوزراء ووزير النقل مظروفاَ بالبريد يحوى صورة البرقية بعاليه مرفقا بها مقال " ميناء شرق بور سعيد..أين  المصريون " والذى تضمن وقائع تأسيس " شركة قناة السويس للحاويات " على مر حكومات ( الجنزورى – عبيد – نظيف ) ودور محمد منصور وزير النقل الاسبق فى  مد عقد الامتياز لمدة 49 عاماَ تنتهى فى عام 2053.  
بتاريخ 30 ابريل أعادت مصلحة البريد المظروف المرسل إلى وزير النقل و ذلك بعد
فتحه وإغلاقه بمعرفة ديوان وزارة النقل ومكتوباَ عليه ..." برجاء توضيح أكثر
لمضمون الطلب أو الموضوع ". وبتاريخ 2/5 أرسلت برقية إلى رئيس الوزراء ووزير
النقل تتضمن وقائع البنود بعاليه ... ولقد اسمعت إذ ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادى.


8.    تجدر الإشارة هنا إلى أن " جريدة الوفد " نشرت فى 7/4 مقالا بعنوان   
"المليارات العائمة لجمال مبارك وشلته – جهات مهمة حددت الخيط لشركات النقل  البحرى "وقد تضمن المقال أسماء أسامه الشريف – فلسيطنى – وعمر طنطاوى ومحمد الحلوجى مصريان ونبذه عن  أدوارهم فى ميناء السخنة . أما  جريدة الأهرام  فقد نشرت فى 9/4 مقالا بعنوان " قتل شركة وطنيه – فساد إدارى وسرقه علنية بميناء شرق التعريفة" . وبتاريخ 25/4/2011 كتب مصطفى بكرى فى" جريدة الأسبوع  مقالا بعنوان : "فى عقد امتياز شرق التفريعة .. حكومة نظيف أهدرت عشرة مليارات جنيه لصالح ابراهيم كامل " . وكانت " الأحرار " والعالم اليوم " هما الجريدتين الوحيدتين اللتين انفردتا بفتح صفحاتها منذ أكثر من عشرة سنوات للتحذيرمن رهن محطات حاويات فى موانئ الإسكندرية ودمياط  وبورسعيد للمستثمرين الاجانب لعشرات السنين بدعوى جذب الاستثمارات الأجنبيه وذلك إلى حد رهن محطة حاويات شرق بورسعيد لمدة 49 عاماَ !!. والنتيجة المعتادة .. لقد أسمعت إذ ناديت حياَ ولكن لاحياة لمن تنادى لا قبل ثورة 25 يناير ولا بعد ثورة 25 يناير. بل حتى هذه السطور قد لا ترى النور فى صحافتنا المقروءة .

9.    وبتاريخ 2/5/2011 بجريدة " الأحرار" تناول د. صلاح قبضايا فى أسبوعياته موضوع   كارثة امتياز ال49 سنة تحت عنوان: "من شرق بور سعيد .. إلى النائب العام .كما   
 
نشرت جريدة  الأسبوع   بعدد 9 مايو 2011 مقالا بعنوان .." ميناء شرق بور سعيد
  المحورى ... تكرار تجربة ديلسبس".  
 
فى النهاية إننى أدرك تماماَ أن الحكومة قد لا تتمكن من إرجاع عقارب الساعة
الى الوراء خوفا من لجوء الأجانب إلى فزاعة التحكيم الدولى . ولذلك فإننى أدعو الحكومة
الى التفاوض مع الشركة الأجنبية لتصحيح مدة الامتياز مع التمسك بمجموعة" أ. ب  
موللر" التى تمتلك أكبر اسطول ناقلات حاويات فى العالم وذلك لإدارة " شركة قناة السويس
للحاويات". ولن يستطيع قطاع النقل البحرى ولا القطاع الخاص المصرى أن يدير
ميناء شرق بورسعيد بنفس كفاءة الدنماركيون. وإذا ما فشلت المفاوضات يمكن أن
تستعين الحكومة المصرية   بمكاتب استشارية عالمية تمتلك من خبرات التعامل مع
مراكز التحكيم الدولية ما لايملكه  المصريون بعد من الخبرات الفنية والإدارية
والقانونية  البحرية وذلك حتى يتم إعداد جيل مصرى من الخبراء المصريين ليحلوا محل ضباط معاشات القوات البحرية اللذين يحتكرون المراكز الحاكمة فى قطاع النقل البحرى منذ أن تولى السادات رئاسة مصر ووصولا إلى الأعوام الثلاثين من حكم مبارك وحتى كتابة هذه
السطور.. ولك  الله يا مصر.
                                                                        ربان / محمد بهى الدين مندور                                             
القاهرة 21/5/2011

جريدة "العالم اليوم " : العدد 6199 - أول يونيو 2011